طبيب وجراح وكيميائي ورياضي وفيلسوف وفلكي إسلامي (884-930م) ويعرف في الغرب باسم (رازز) ولد في مدينة الري من أعمال فارس جنوبي طهران وينسب إلى مسقط رأسه, يعد من أعظم أطباء العالم الإسلامي وأطباء العالم في القرون الوسطى أجمع, كان موسوعة في العلوم, ويروى أنه كان في بداية حياته صرافا, وكان مثالا في الصدق والنزاهة العلمية , ومارس فن الصياغة وكثف بحثه عن الإكسير.

كان من أساتذته في الطب : ابن ربان الطبري, وحنين بن إسحاق وكان من كبار رجال العلم عموما في ذلك العصر, واتجه الرازي لدراسة الطب إعجابا بهذا العلم, بعد زيارته لأحد المستشفيات, ثم عمل في المستشفى المقتدري (نسبة إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله) كما ترأس بيمارستان العضدي وعمل في مستشفى ملكي في الري لذلك كان يتنقل ما بين بغداد والري, فأتاح ذلك له خبرة عملية قيمة, وأقام الرازي آخر أيامه في الري.

أطلق الدارسون القدامى عليه لقب: غالينوس العرب على حد تعبير صاحب كتاب: (طبقات الأطباء) العالم: ابن أبي أصيبعة, ووصف كذلك بطبيب المسلمين, كما ذكر ذلك صاعد الاندلسي صاحب كتاب (طبقات الأمم), ووصفه ابن النديم صاحب (الفهرست): بأنه أوحد دهره, ويحظى بتقدير العرب الذين اشتهر ضمن عهدهم الحضاري, والفرس الذين ينتسب إليهم, وقد أقيم في طهران معهد باسمه تكريما له, لاعتباره أعظم أطباء المشرق الإسلامي ومن أعظم أطباء العالم.

اشتهر الرازي بمقدرته على التصنيف الذي يعتمد على البحث العلمي, والطريقة العلمية البحتة فعرف عنه أنه يعطي كل ذي حق حقه, وحقق في مجال الطب إنجازات عظيمة فمن منهجية الرازي في المعالجة كان تجربة الأدوية الجديدة على الحيوانات قبل وضعها للتداول الطبي لمعرفة فعاليتها وآثارها الجانبية خاصة على القرود باعتبارها أقرب الحيوانات إلى الإنسان, واستخدم الرزاي مادة الأفيون كمخدر في العمليات الجراحية,واستخدمه أيضا في معالجة أمراض الجهاز التنفسي, وأدخل المستحضرات الكيميائية في المعالجة الدوائية ففتح بذلك باب الصيدلة الكيميائية, وأعطي أهمية للشروط البيئية الطبيعية في اختبار مواقع المستشفيات, كما اشتملت منهاجيته على الملاحظات السريرية وربطها بالسن والوضع العام وطبيعة المعاناة وقياس النبض وسرعة التنفس وأحوال البول والبراز,وكان أول من قال بمراعاة النواحي الإجتماعية والنفسية, كما وضع الإرشادات والنصائح الطبية للأطباء ولعامة الناس, وهو أول من أجرى جراحة داخلية مستعملا أمعاء الحيوانات كخيوط, عندما اكتشف أنها تهضم, ولكن كان يؤخذ عليه في مجال الجراحة أنه لم يكن يجري العمليات بنفسه بل كان يكلف آخرين ويكتفي بالتوجيه والإشراف, مع أنه كان من أول المهتمين بالعمليات الجراحية, واستعمل فتيلة الجرح وتركيب مراهم الزئبق ومعالجة السل (التدرن الرئوي) بالتغذية بالحليب المحلى بالسكر ومن ابتكاراته الهامة كذلك عن طب الأطفال: التمييز بين الحصبة والجدري.

قسم العقاقير الطبية إلى مواد (برانية (معدنية) تشمل الأرواح (الغازات) والأجساد (الفلزات) والحجارة (الجص والزجاج ...إلخ) والزاجات (كالزاج الأخضر والأسود) والبوراق (كالنطرون ولاأملاح) ومواد نباتية ومواد حيوانية.

وفي الكيمياء القديمة يبدو للبعض أن الرازي كان متبكرا فيها ولم يكرر مواد جابر بن حيان, فمصنفاته تضم وصفا تفصيليا لكثير من التحضيرات والإجراءات الكيميائية بلغة واضحة توحي بالتمكن من الموضوع, ويعزي إلى الرزاي ابتكار قرابة عشرين أداة استخدمها في الكيمياء, ولقد درس الرازي كتب جابر ابن حيان وتجنب بعض الأخطاء التي مر بها جابر, فاهتم بالتنظيم واستعمال المصطلحات الدقيقة ,  وقد قام بتقسيم المواد الكيميائية المعروفة في زمانه إلى أربعة أقسام أساسية: المواد المعدنية والنباتية والحيوانية والمشتقة, وكان أول من استحضر الكحول من مخمرات سكرية كما حضر حامض الكبريتيك بتقطير الزاج الأخضر, كا حضر أحماضا أخرى.

وفي مجال الفكر بنى الرازي مذهبه الفلسفي على نظام معتمد على الخلق والزمان والمكان (كمتصل زماني – مكاني) مما أثار ضده أضحاب الفكر الجامد , ويتضح دور الرازي في تطوير العلوم والمعارف التي تناولها في مؤلفاته التي تزيد عن مئتين كان لها تأثيرها العالمي, ولكن للأسف ضاع أكثرها.

يقول هولميارد: كن الرازي رجلا عبقريا متحررا رحيما بالمرضى يعالج الفقراء بنفسه. وقال عنه: إن التفكير المنظم والتعبير السليم الواضح جعلا انتاج الرازي الكيميائي , مفهوما وذا قيمة.

 وروى أحد معارفه : أنه لم يزره إلا ووجد في يديه كتابا ينسخه أو يقرأ, فيه.    

عاش في الري طيلة ثلاثين عاما, تعلم الموسيقى وكان بارعا في العزف على العود ونظم الشعر في صغره, وبرع في الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب, انتقل إلى بغداد في خلافة المكتفي حيث ظهرت مواهبه فاستشاره الخليفة المعتضد عند بناء البيمارستان الذي تولى فيما بعد رئاسته فأجرى التجارب المخبرية وباشر العلاج ودون مصنفاته ودرَس عددا من التلاميذ منظما إياهم في صفوف تتقدم بتقدمهم في الدراسة , ويذكر أن الخليفة المقتدر أوكل إليه إدارة المتتشفى المقتدري ببغداد وبعدها ذاع صيته رئيسا للأطباء في عصره وطبب السلاطين والأمراء في المشرق الإسلامي, وأصبح الرازي رئيس أطباء مستشفى بغداد, وعندما كان في إيران تمتع بصداقة وحماية الأمير منصور بن اسحاق حاكم خراسان وقد ألف له كتابا في الطب اشتهر باسم : الكتاب المنصوري.

وصل الرازي إلى مرتبة رفيعة كعالم وممارس لصناعة الطب بطريقين, هما الأساس في شهرة الأطباء في كل العصور, الأولى: طريق البحث العلمي بالتجربة وتسجيل التطورات السريرية على المرضى, والآخر: اهتمامه بالعلوم الأساسية كالتشريح وعلم وظائف الأعضاء, وكان من سعة علمه انتقاده بعض أفكار جالينوس, أما كتبه الطبية فتربو عن الخمسين, وله كتب عديدة متنوعة في المنطق وما وارء الطبيعة والإلهيات وعلم النفس والطبيعيات والهندسة والموسيقى والسياسة, وأهم كتبه الطبية هو (الحاوي) والذي هو من أشمل ما ألف طبيب في العلوم الطبية وفي هذا المرجع تجميع وترتيب لمجمل التراث الطبي مع الإشارة إلى مصادره وقد ترجم هذا الكتاب برعاية ملك صقلية ونابولي (كارل أنجو 1266-1284) على اعتبار هذا الكتاب أكبر وأهم كتاب عربي في الطب , وقد جرت طباعة هذا الكتاب مرارا منذ عام 1486م, وكتاب (المنصوري ) فهو كتاب مختصر في الطب يتناول أشكال أعضاء الجسم والأغذية والأدوية والسموم والجراحة والتجبير وحفظ الصحة ,وجرت ترجمته إلى اللاتينية في القرن الخامس عشر, وتشمل مؤلفاتهالطبية كلا من : (الجدري والحصبة ) وطبع أكثر من أربعين مرة على مدى عدة قرون. وله كتاب : (برء ساعة) وكتاب (المرشد ) و(من لا يحضره طبيب) و (الجامع في الطب) و (القلب), وكتاب (محنة الطبيب) , وكتاب (المفاصل) وكتاب (الملوكي) وكتاب (علاج الغرباء) , ومقالة في الحصاة في الكلى والمثانة , كما ألف الرازي في طب الأطفال, وترجمت مصنفاته في هذا الموضوع إلى العبرية واللاتينية والإيطالية ومن الأخيرة إلى الإنجليزية, أما مؤلفاته في الكيمياء فتشمل كتاب: (الأسرار), وكتاب: (المدخلالتعليمي) وكتاب: (المدخل البرهاني), وكتاب (التدبير), وكتاب (الترتيب), وكتاب: (شرف الحيل) وكتاب: (الحجر الأصفر),وكتاب(التبويب), و(محنة الذهب والفضة), و(الميزان الطبيعي) وكتاب (الرد على الكندي في رده على الصناعة), وله مصنفات في الرياضيات والفيزياء والبصريات, والفلك وفي موضوعات أخرى,  ويتوفر للعرض من آثاره قرابة أربعين كتابا في مكتبات ومتاحف عالمية كما في الهند (مكتبة رامبور) وفي إيران وفرنسا وبريطانيا, ومن أشهر المعروضات في الغرب كتابه : (المنصوري) 

كان الرازي صاحب هوايات كثيرة ومتنوعة ومن أهمها, الموسيقى , فقد كان قبل احتراف الطب يعمل موسيقيا (عازف قيثارة ) في الحفلات والمناسبات, وبعد أن وصل للشهرة والثروة وأصبح طبيب الخلفاء كان بيته في بغداد ملتقى أهل الفن والموسيقى. 

أصيب الرازي: بنزول الماء في عينيه حتى عمي, ولم يسمح بقدحهما وقال: أبصرت من الدنيا حتى مللت . وفي رواية أخرى أنه أصيب بالعمى بسبب ضربة على رأسه بأحد مجلدات الكيمياء بأمر من حاكم جاهل هو :الملك منصور الساماني الفارسي , لأن الرازي لم يستطع أن يحول النحاس إلى ذهب على الرغم بأنه يقول بإمكان ذلك.