هو الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا , ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى (جمورية أوزباكستان) حاليا.

كان أبوه عاملا على هذه القرية لنوح بن منصور الساماني بقلعة خرميشن, وقد انتقل ابن سينا في طفولته إلى بخارى سنة 375م فحفظ القرآن والأدب وشيئا من مبادئ العلوم, وورد بخارى إذ ذاك أبو عبيد الله الناتلي, فأقرأه كتاب إيسا غوجي, وخرجه في المنطق فبرز عليه فيه,وهو في العاشرة من عمره, كما قيل أنه درس على أبي بكر أحمد بن محمد البرقي الخوارزمي, ثم رغب في علم الطب فتلقى أصوله على أبي سهل المسيحي, ودرس فروعه وحده حتى انتهت الزعامة إليه فيه, وأصبح الأطباء يقصدونه يقتبسون منه, ويستشيرونه وكان عمره لم يتجاوز ست عشرة سنة, ويقال أنه تلقى هذا العلم على يد أبي منصور الحسن بن نوح القمري.

وعالج ابن سينا الأمير نوح بن منصور الساماني من مرض ألم به, فقربه إليه, وفي دار كتب الأمير قرأ ابن سينا أقيم الكتب وأجلها, وعندما أحرقت تلك المكتبة انفرد ابن سينا بما كان فيها.

ألف أول كتبه وهو في الحادية والعشرين من عمره, وسماه العروضي, نسبة إلى جاره أبو الحسن العروضي الذي طلب منه كتابا جامعا في العلم, وبعد ذلك وضع كتاب الحاصل والمحصول, بعشرين مجلدا, وكتابه (البر والإثم) وفي الثانية والعشرين من عمره توفي أبوه, فخرج إلى كوركانج عاصمة خوارزم وأخذ يجوب البلدان فوفد على الري, وقزوين وجرجان, وزاول العلم وصنف كتاب القانون في الطب. وفي همذان تقلد الوزارة لشمس الدولة بن بويه, بعد أن وفد إليها بقليل بعد ذلك ثار عليه الجند ونهبوا ماله وطلبوا من الأمير قتله, إلا أن الأمير اكتفى بنفيه.

واتهم عند تاج الدولة بخيانة منكره فسجنه في إحدى القلاع أربعة أشهر ,وقد فر متنكرا إلى علاء الدولة في أصبهان سنة 414 هـ وبقي في حمايته , وقد أعيته الحوادث التي تعاقبت عليه بعد ذلك فوقع فريسة المرض وتوفي في همذان سنة 1037م, في الطريق أثناء الحملة التي قام بها علاء الدولة ويوجد بها قبره حتى الآن.

لقد كان ابن سينا ولم يزل بعد, هو عالم العلماء ولذا سمي الشيخ أو الرئيس, وكان قد كتب في الطبيعيات والهندسة والرياضيات والكيمياء والفلسفة, واللغة العربية ,ودون سيرة حياته بنفسه وجمعها تلميذه أبو عبيد الجرجاني الذي لازمه طوال حياته.

لقد وهب الله تعالى ابن سينا ذاكرة قوية وقدرة هائلة على سرعة تلقي وهضم المعلومات  بحيث استطاع أن يلم بكل العلوم وينظمها في زمانه, وقد كان في الفترة التي زاول فيها التأليف في الواحدة والعشرين من عمره إلا أن أسلوبه في الكتابة فاق عمره لما اتسم به من الوضوح, وكان خلال ذلك يتنقل من بلاط جرجان والري وهمذان وأصفهان وعندها كتب موسوعته الفلسية (كتاب الشفاء في الحكمة) ويقع في 18 مجلد. والذي نشر في طهران عام 1248م وفي بولاق بمصر عام 1294م, ويقع في 14 مجلد. وأثناء أسفاره كتب موجزا مختصرا لمؤلفاته ورسائله.

ورغم أنه كان نشطا في كتاباته العلمية إلا أنه كتب في السياسة وخاض غمارها واتبع الفارابي إلى حد بعيد في المنطق وفي نظرية المعرفة والكليات والعقول الفلكية وهو أقرب إلى الأفلاطونية من المشائية, وذاع صيته بأنه مؤلف عالمي للموسوعات وكيف لا؟ ! وهو الذي وضع أسس المعرفة لعدة قرون.

وكان ابن سينا موضع دراسة علماء الغرب الذين ترجموا أغلب تآليفه إلى اللغة اللاتينية واعتمدوا عليها في بحوثهم ودارساتهم والتي بلغت المائة مؤلف, وكان الإمام الغزالي قد فند بعض آراء ابن سينا في الفن والفلسفة, إلا أن هذا لم يقلل من مكانته بين المسلمين والعرب, الذي  كان عندهم في مقام جالينوس: عالم الطب اليوناني.

وقد قام هو وابن رشد بشرح فلسفة أرسطو وعنها نقل الغرب, وكان لابن سينا والرازي, سبق المضمار في العلاج النفسي وكانت طريقة ابن سينا أن يحمل المريض على الرجوع بذكرياته إلى الوارء بحيث يتذكر حادثة طال عليها الزمان فاستقر في العقل الباطن ونتج عنها مرض جسماني في طبيعته وإن كان في أصله نفسي. ولهذا فإن مناهج الدراسة في الجامعات الغربية ظلت تتطلب في دراسة كتابه القانون في الطب كجزء أساس في دراسة الطب حتى القرن السادس عشر, وبقي الأوروبيون يدرسون كتبه وكتب الرازي في مدارسهم الطبية أكثر من ستة قرون.

وكتاب القانون بحد ذاته موسوعة طبية عظيمة القيمة وعليه كانت تعتمد كافة الدراسات الطبية في الشرق وأوروبا في القرون الوسطى, والمعروف أن ابن سينا كان يشغل النهار بالمطالعة والليل بالتأليف, حتى أنه في مدة انشغاله بالتأليف , لم ينم ليلة واحدة بكاملها.

ومما يذكر عنه أنه كان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد الجامع صلى ودعا الله أن يسهلها عليه.

وكان ابن سينا يؤمن بالفكر وكثير الثقة بالفطرة الإنسانية, واستنبط ابن سينا آلة تستعمل لقياس طول أصغر من أصغر أقسام المسطرة المقسمة لقياس الأطوال بدقة متناهية, ودرس ابن سينا بعمق بحوث الزمان والمكان والحيز والقوة والإيصال, والنهاية والفراغ واللانهاية والحرارة والنور, ومن نظرياته أن سرعة النور محدودة وأن شعاع العين يأتي من الجسم المرئي إلى العين. وأجرى تجارب عدة في الوزن النوعي ووجد الوزن النوعي للعديد من المعادن, كما بحث ابن سينا في الحركة والأمور التي تتعلق بها وموضوع الميل القسري والميل المعاوق, وله أيضا بحوث قيمة في المعادن وتكوين الجبال والحجارة وطبقات الأرض وبقي الاعتماد على هذه البحوث في جامعات أوروربا حتى القرن الثالث عشر الميلادي, وكان ابن سينا قد قسم العلوم إلى ثلاثة أقسام: العلوم التي لا علاقة لها بالمادة أو علوم ما وراءالطبيعة, والعلوم التي لها علاقة بالمادة وهي الطبيعيات, والعلوم الوسط التي لها علاقة بعلوم ما وارء الطبيعة ولها علاقة بالمادة وهي الرياضيات.

وجعل الرياضيات نوعا من الفلسفة ونسب إليها أشياء وقال أنها تبحث في غير المادة. كما اتبع ابن سينا الطريقة اليونانية في بحوثه عن العدد وقد شرح طريقة اسقاط التسعات وتوسع فيها, وبحث في الموسيقى وجاء كتاب الشفاء بالإجادة التي أقامها على الرياضيات والملاحظات الدقيقة, وسجل ابن سينا ملاحظات هامة عن الظواهر الطبيعية كالجو والرياح وقوس قزح في كتبه ورسائله, وفي الكيمياء كان مخالفا لآراء أكثر علماء زمانه. وفي رأيه: أن المعادن لا تختلف باختلاف الأصباغ بل تتغير في صورتها فقط وقال, إن كل معدن يبقى محافظا لصفاته الأصلية, وقام بدارسة مفصلة لخواص بعض المواد الكيميائية وهو أول من شرح طريقة اعداد زيت السراج, أو حامض الكبريت والكحول وتقديم خواصها, ودرس عدة أمراض ووضع لها أدوية تساعد في شفائها كما عالج الأمراض النفسية والجلدية وأمراض الكبد.

ووضع ابن سينا عدة أبحاث ودراسات حول النبات بشكل عام لكنه وجه الاهتمام الخاص إلى النباتات الطبية أي التي تستخرج منها الأدوية, كما أولى ابن سينا علم الفيزياء عناية كبيرة.

ويقال : ان ابن سينا خرج مرة في صحبة علاء الدولة, وقد ذكر له الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فأمر الأمير الشيخ بالاشتغال بالرصد وأطلق له مدة الأحوال ما يحتاج إليه, مما ساعده على التعمق في الهيئة وكشف بعض حقائق هذا الكون, وفي اتقان الرصد , ووضع في الرصد آلات لم يسبق إليها..

مؤلفاته:

وضع ابن سينا مؤلفات في الطب جعلته في عداد الخالدين , وقد يكون كتابه القانون من أهم مؤلفاته الطبية وأنفسها, ولقد اشتهر كثيرا في ميدان الطب وذاع اسمه وانتشر انتشارا واسعا, في الجامعات والكليات, وفي هذا الكتاب جمع ابن سينا ما عرفه الطب عن الأمم السابقة إلى ما استحدثه من نظريات وآراء وملاحظات جديدة, وما ابتكره من ابتكارات هامة, وما كشفه من أمراض سارية وأمراض منتشرة مما أدى إلى تقدم الطب خطوات واسعة ,و جعلت البعض يقول: كان الطب ناقصا فأكمله ابن سينا. كما أن ابن سينا ضمن كتاب القانون شرحا وافيا لكثير من المسائل النظرية والعملية , كما أتى فيه على تحضيرالعقاقير الطبية واستعمالها. وقرن ذلك ببيان عن ملاحظاته الشخصية,وفي كتاب القانون أيضا: ظهرت مواهب ابن سينا في تصنيفه وتبويبه للمعلومات الطبية, وما كشفه من نظريات جديدة فيها وابرازها في قالب منطقي,  فقد كان قوي الحجة قاطع  البرهان وهذا ما جعل كتاباته شديدة التأثير على رجال العلم في القرون الوسطى, وقد تنبه ابن سينا إلى ماقد يحدث من متغيرات إذا ما صاحبت ظواهر البحث تغيير أو إضافة في العلاقات المنظمة لجوانبه, وابن سينا أول من وصف التهاب السحايا الأولي وصفا دقيقا, وفرقه عن التهاب السحايا الثانوي, وفرقه عن الأمراض المشابهة, ووصف شلل الوجه, وفرق بين داء الجنب وألم الأعصاب ما بين الأضلاع وخراج الكبد والتهاب الحيزوم, ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم مخالفا اليونان, ووصف ابن سينا أعراض حصى المثانة السريرية, وأحسن وصف الأمراض الجلدية والتناسلية, ودرس الاضطرابات العصبية وعرف بعض الحقائق النفسية والمرضية , وكان يرى أن العوامل النفسية كالحزن والخوف والقلق والفرح, تأثيرا كبيرا على أعضاء الجسم ووظائفها.

ومن كتبه أيضا كتاب الشفاء وهو في 28 مجلد, وهو يحتوي على فصول في المنطق والطبيعيات والفلسفة, واختصره ابن سينا في كتاب سماه النجاة, وهذا الكتاب يوضح آراء جديدة لابن سينا في كل فرع من فروع العلوم الفلسفة , وأخرج آراء ارسطو بنظام تام وتسلسل محكم ووسع نطاقها بمذهب الأفلاطونية الحديثة, ولابن سينا مؤلفات ورسائل أخرى في الطب والفلسفة والموسيقى واللغة والنفس والمنطق والطبيعيات والرياضيات والفلك, وبلغت أكثر من 132 مؤلفا ورسالة,لذلك ذهب الكثيرون من مؤرخي العلم إلى القول: بأن بان سينا يعد من أعظم علماء الدنيا على الإطلاق, ولقبه آخرون: بأرسطو العرب