عبد الغني بن إسماعيل. اشتهر بالنابلسي , واشتهر بكونه أحد علماء الزراعة وإن كان قد عرف بكونه رحالة ورجل فقه ودين ومتصوف وشاعر وأديب, ظهر إبان سيطرة الدولة العثماينة على الوطن العربي, تيتم صغيرا ودخل في الطريقة القادرية والنقشبندية, وأخذ دروسا على ابن العربي وعفيف الدين التلمساني, ورحل إلى بغداد وأقام بها مدة, ثم سافر إلى لبنان والقدس والخليل ومصر والحجاز وطرابلس ثم عاد إلى دمشق وأقام في الصالحية حتى وفاته سنة 1143هـ.

كان له اطلاع واسع على علوم تلك الأيام حتى لقب بأستاذ الأساتذة, وأكثر من التأليف حتى ناهزت كتبه التسعين كتابا في (التصوف والأدب واللغة والشعر والمنطق والدين والعلوم الطبيعية) والنابلسي لم يكن عالما زراعيا بشكل مطلق بل تأثر بمحيطه الزراعي الذي عاشه بمدينة دمشق ونما فيه هذا الميل الجانح إلى المطالفة في الكتب الزراعية القديمة وقيامه بممارسة هذا العلم عمليا برزاعة مختلف أنواع الأشجار والنباتات المنتجة ,وإجراء بعض التجارب عليها في بستان أتخذ له في منطقة بساتين الصالحية بدمشق, ومن جملة الكتب الزراعية التي كان يستمد منها معلوماته (جامع فوائد الملاحة) لرضي الدين , فقام بتلخيصه فحذف ما يجدر حذفه من تكرار وزوائد وألف كتابه الذي عرف به (الملاحة في علم الفلاحة) فجاء كتابه خلاصة للكتب العربية القديمة في علم الزراعة والأعمال الزراعية المتبعة في ذلك الوقت في الشام وضواحيها, ويلمس القارئ من مطالعة الكتاب أن جميع النظريات التي كانت تستعمل قديما في الشام مدونة في هذا الكتاب.

قال المؤرخ أحمد فيك بك: (طالعت كتاب الملاحة في علم الفلاحة للشيخ عبد الغني النابلسي وهو كتاب جليل القدر عظيم النفع لمن يرغب في زراعة الأراضي , ووجدت به  مفردات لم يذكرها غيره)

وكتاب الفلاحة للنابلسي يقع في عشرة أبواب يتناول مواضيع التربة والأراضي وغرس الأشجار والنباتات المختلفة وتقليم الأشجار والتركيب والتطعيم ثم أنواع الحبوب والبذور والبقول وأوقات زرعها وطرق الخزن وغيرها, وعند محاولته تصنيف الأراضي حسب نوعها وجودتها تطرق بالوصف والتحليل إلى  التربة الصالحة للزراعة والتي تعتبر رديئة لا تنمو فيها المزروعات بشكل لصحيح, وهو لم يعتمد على اللون وحدة في معرفة الأرض الجيدة وإنما نصح باستخدام حاستي النظر واللمس للوصول إلى الهدف العلمي في مسح وتصنيف التربة وهو ما يعمل به الآن, وكما تطرق النابلسي إلى خصوبة الأرض وكيفية التوصل إلى معرفة طرقها الصحيحة مما يجعله أن يسبق العديد من علماء أوروبا في هذا المجال قبل أربعة قرون خلت, وإن اختلفت الألفاظ اللغوية والمصطلحات العلمية التي كانت مستخدمة في ذلك الوقت, وتحدث النابلسي أيضا عن فوائد الحراثة للتربة وقلبها وقال إن هذا ينفعها كثيرا ويضيف لها قوة وخصوبة, لأن هذا يتيح لها أن تتنفس ويتيج للتربة أن تتعرض للشمس, كما أن الحراثة تقطع الأعشاب التي لا فائدة منها والتي تأخذ من غذاء الأرض, كما تناول الأسمدة الطبيعية ودورها المهم في زيادة خصوبة التربة وأوصى بالاعتدال في استخدامه, ولم يغفل النابلسي المياه في الزراعة فتحدث عن قلة المياه وشحتها وأوصى باتخا تدابير علمية سبقه فيه العديد من علماء الزراعة العرب وبالأخص في الأندلس ابن البصال, ويوضح النابلسي طرق العثور على الماء تحت التربة بأسلوب علمي ممتاز, كما وصف طرق لمعرفة الأراضي التي تضم بداخلها ماء, وكيفية الاستدلال عليها, وأيضا لمعرفة الماء الموجود عذب أم  مالح  .........الخ, وهل هو قريب أو بعيد من التربة,  وما هي النباتات التي يمكن الاستدلال بها على وجود الماء, وذكر النابلسي اختبارات عديدة للأمر, وتحدث أيضا عن قدرة احتمال الأشجار للسقي, وأعطى وصايا قيمة للغراسة. ويعدد النابلسي أنواع التركيب المسمى بالتطعيم بخمسة أنواع هي: تركيب الشق: ويكون هذا في شجر الزيتون وطريقته أن يؤخذ بعد قص الشجرة بالمنشار عودا يابسا يبريه بري القلم فيدخله بين العود والقشر ,لئلا ينشق القشر وذلك بعد جري الماء في العود, والنوع الثاني من أنواع التركيب: وهو الذي يكون من القشر ينزع وفيه العين قبل أن تنتفتح فيركب في غصن آخر يقشر ويوضع فيه الأنبوب والرقعة ويكون في الفاكهة والزيتون والخروب والتين, والنوع الثالث من التركيب : يدعى الأعمي, وهو أن القضبان المعرضة للشمس في ناحية المشرق أو الجنوب مما كان مثمر في العام الماضي, وتقطع مقدار شبر أو أكثر وتبرى من أسفلها مقدار نصف شبر وأربعة أصابع بريا لطيفا ثم توضع الأقلام في الماء لئلا يصيبها الهواء, ثم يعمد إلى الشجر التي يريد التطعيم فيها فتقطع بالمنشار من فوق, وثم يشق فيها شقان,يدخل القلم المبري ويوضع القشر من القلم على الشق بإحكام ويلصق العظم بالعظم, والرابع: تركيب الثقب, وهو يستعمل في جميع الأشجار المتنافرة والمتجانسة, والنوع الخامس من أنواع التركيب : تلقيح النوى والحبوب في أنواع المنابت كالخطمي والتين والسوسن, والنخل وأشباهها.  ويحدد  النابلسي أعمار بعض أنواع الأشجار والشجيرات بالسنوات وهو بذلك قد عرف كيفية قياس أعمار النباتات عمليا وهي عملية تحتاج إلى تشريح النبات , وشرح النابلسي أهم طرق مكافحة الحشرات الضارة على المزروعات , وأعطى العلاج لبعضها, وتناول النابلسي في الباب التاسع من كتابه مجموعة كبيرة من النباتات الاقتصادية والزراعية والصناعية والطبية متناولا أهم خصائصها وفوائدها الغذائية والعلاجية , واختتم النابلسي كتاب الملاحة في علم الفلاحة بشرح طرق خزن وحفظ وتجفيف بعض المحاصيل والفاكهة, فوصف طريقة تجفيف العنب, والرمان, والقمح والشعير.