يبدو للوهلة الأولى أننا لا نعرف المسعودي إلا لكونه مؤرخا وجغرافيا بأحسن الأحوال, ولكن عند دراسة مؤلفاته العديدة التي وصلنا القليل منها ومن بينها كتابه الشهير (مروج الذهب) تتضح لنا معالم فكر هذا العالم الرحالة الذي جاب أثر أصقاع آسيا وأفريقيا ودرس مجاهلها برا وبحرا وترك لنا حصيلة كبيرة من وصف الحيوانات والنباتات التي شاهدها أو سمع بها أو حكي له عنها عندما زار تلك البلدان المختلفة, ولقد تناثرت العديد من الدراسات عن هذا الرجل العالم وتباينت الأخبار عن حياته وسلوكه وفلسفته في الحياة بشكل لا يمكن ضبطها بسهولة,وقبل أن نتناول ما جاء من وصف للحيوانات في كتابه مروج الذهب ولا بد أن نعرف نبذة قصيرة عن حياة المسعودي.

هو علي ابن الحسين بن علي أبو  الحسين المسعودي , المؤرخ من ذرية عبد الله بن مسعود , عاش في بغداد, وأقام بمصر مدة, وكان إخباريا علامة صاحب غرائب وملح ونوادر ,مات سنة 346هـ وله من التصينفات كتاب مروج الذهب, ومعادن الجوهر في تحف الأشراف والملوك, وكتاب ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور , وكتاب الرسائل والاستذكار بما مر في سالف الأعمار, ,وكتاب التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم ,كتاب التنبيه والاإشراف , وكتاب خزائن الملوك وسر العالمين ,وكتاب المقاولات في أصول الديانات,وكتاب أخبار الزمان وما أباده الحدثان, وكتاب البينة في أسماء الأئمة,و كتاب الخوارج.

كان المسعودي كما أسفلنا رحالة, فقد نشأ في بغداد وجاء مصر ورحل في طلب العلم إلى أقصى البلاد فطاف في فارس وكرمان, واستقر في اصطخر, وفي السنة التالية قصد الهند إلى ملتان والمنصورة, ثم عطف على كنباية فصيمور فسيلان, ومن هناك ركب البحر إلى بلاد الصين وطاف البحر الهندي إلى مدغشقر وعاد إلى عمان ,ورحل رحلة أخرى إلى ما وراء أذربيجان وجرجان ثم إلى الشام وفلسطين, ووفد على أنطاكية والثغور الشامية إلى دمشق واستقر أخيرا بمصر ونزل الفسطاط, ولم يفتر في أثناء أسفاره عن الاستقصاء والبحث واكتساب العلوم على اختلاف موضوعاتها, فجمع من الحقائق التاريخية والجغرافية مالم يسبقه إليه أحد, ويمتدح المستشرق السوفييتي أغناطيوس كراتشوفسكي المسعودي ورصانة كتاباته بقول: (والمسعودي عربي صرف يرتفع نسبه إلى الصحابي مسعود, وقد ولد على ما يظهر ببغداد في بداية القرن الرابع, وأحاط إحاطة تامة بكل التراث الأدبي لعصره ومختلف فروع العلم, غير أن ميدانه الحقيقي فيما يبدو كان الرحلات الواسعة والاتصال المباشر بممثلي مختلف الطبقات, وقد شملت رحلاته جميع البلدان من الهند إلى المحيط الأطلنطي ومن البحر الأحمر إلى بحر قزوين, ومن المحتمل أن يكون قد زار الصين وأرخبيل الملايو) ولعل خاصية المسعودي ككاتب يمكن أن تكون أكثر  جلاء لو أن مؤلفاته الكبرى لم تمسها يد الضياع).

قسم المسعودي شعوب العالم إلى سبع مجموعات أثنولوجية هي الفرس والكلدانيون (ويضم إليهم العرب واليهود) والأوروبيون والليبيون والأفارقة, والترك والهند والسند والصينينون , ويتضح من خلال تتبعنا لحياة هذا العالم أنه عراقي.

جاء وصف الحيوانات عند المسعودي حسب رحلاته وجولاته وحسب ما وقعت عيناه عليه, أو سمع به أو استفسر من أهالي تلك المناطق التي زارها ,لذلك فإنه لم يقسمها  أو يفرد فصولا خاصة لها وإنما جاءت في سايق كلامه في كتابه هذا الموسوم (مروج الذهب ومعادن الجوهر) ونحن سنقوم بهذا البحث بدراسة ما جاء من وصف هذه الحيوانات بشكل علمي حتى نستنتج التطابق الموضوعي بين ما قاله هذا العالم العراقي وبين ما جاء به العلم الحديث.

من اللبائن تحدث المسعودي عن : ظباء المسك:

قال المسعودي: (وفي بلاد التبت في الصين الأرض التي بها ظباء المسك التبتي الذي يفضل على الصيني بجهتين: إحداهما أن ظباء التبت ترعى سنبل الطيب وظباء الصين ترعى الحشيش دون أنواع حشائش الطيب التي ترعاه التبتية ,والجهة الأخرى أن أهل التبت لا يتعرضون لإخراج المسك من نوافجه ويتركونه على ماهو , وأهل الصين يخرجونه من النوافج ويلحقونه إلى الدم وغيره, وأجود المسك ,اطيبه ماخرج من الظباء بعد بلوغه النهاية في النضج, وذلك أنه لافرق بين غزلاننا هذه وبين غزلان المسك في الصورة والشكل واللون والقرون, وخير المسك مانضج في وعائه, وأدرك في سرته واستحكم في حيوانه وتمام مواده, وذلك أن الطبيعة تدفع مواد الدم إلى السرة فإذا استحكم كون الدم فيها ونضج ذلك وحكه,يفزع إلى أحد الصخور والأحجار الحارة من حر الشمس فيحتك بها مستلذا بذل فينفجر حينئذ ويسيل على تلك الأحجار كانفجار الدمل إذا نضج, وعندها يخرج رجال التبت يقصدون مراعي الضباء فيجدون الدم قد جف على تلك الصخور, وجففته الشمس وأثر فيه الهواء فيأخذونه, فذلك أفضل المسك). وثبت حديثا أن معظم ما قاله المسعودي عن الأمر صادق.

الزرافة:

عندما وصل المسعودي السودان حاول أن يلم بكل شيء عن هذا البلد العربي فكان من جملة ما وصفه حيوان الزرافة, فقال: (وأكثر ما تكو الدابة المعروفة بالزرافة في أرضهم, وإن كانت عامة الوجود في أرض النوبة دون سائر بلاد الأحباش, وقد تتوزع في نتاج هذا النوع من الدواب المعروفة بالزرافة, فمنهم من رآى أن بدء نتابجها من الإبل ومنهم من رأى أن ذلك كان يجمع بين الإبل والنمور, وأن الزرافة ظهرت من ذلك, وكانت تهدى إلى الملوك من أرض النوبة كما كانت تحمل إلى ملوك العرب وهي دابة طويلة اليدين والرقبة قصيرة الرجلين لا ركتين لرجليها وإنما الركتبان ليديها فقط , والزرافة عجيبة الفعل في إلفها وتوددها إلى أهلها , ومنها الوحشية ومنها المستأنسة). وهنا يبدو أن المسعودي ركز على الزرافة النوبية والتي تقطن السودان.

ووصف المسعودي أيضا الزباد, والقنافذ, والنمس, والكركدن, والفيل والجمل ذو السنامين والبقر والجاموس, ووصف القرود, وحيوان الزبرقان, وما جاء على لسان المسعودي لا يختلف عن المعلومات الحديثة عن هذه الحيوانات, ومن الطيور التي تحدث عنها, نذكر على سبيل المثال:

الطاووس:

من طيور الهند التي وصفها المسعودي وافتتن بجمالها وعن الطاووس قال (فإنها تتلون ألوانا مختلفة بأذنابها وأجنحتها – أعني الذكور دون الإناث- وقد رأيت منها بأرض الهند ألوانا تظهر لحسن البصر عند تأملها ألونا لا تحصى, ولا تشبه لونا من الألوان لما يترادف من تتموج الألوان في ريشها, ويتأتى ذلك منها لعظم خلقها وكبر أجساما وسعة ريشها). والطاووس الذي تحدث عنه المسعودي هو المعروف (طاووس سنبلي) موطنه السند والهند كبير الحجم رائع الجمال, يتميز الرأس والرقبة بلون أرزق براق, بطنه شديدة الخضار, وهو عندما يتبختر ينشر مجموعة باهرة الجمال من الريش الطويل الرخو تحمل كل منها عددا من النماذج على شكل العيون).

وتحدث أيضا عن الزواحف, منها : الحيات:

وصف المسعودي نوعا من الثعابين في منطقة اليمامة في اليمن وكيف يستفيد منها الناس في القضاء على الحشرات والعقارب والحيات الأخرى الضارة فقال: (وهو نوع من الحيات تكون ببلاد حجر اليمامة فيما زعموا, أحدها عربد , وأهل اليمامة ينتفعون به لمنع الحيات والعقارب وسائر الهوام). وأغلب الظن أن المسعودي قصد بوصفه هذا الحية المعروفة بالعربيد ذو الظهر الأسود أو الأرقم الأوروبي أو الثعبان ذو اللونين الأخضر والأصفر, وهو من فصيلة الثعابين الأصيلة, وهي حية شرسة الطباع ولكنها غير سامة, ويصل طولها إلى مترين ونصف , وهي ذات أشكال مخيفة.

ومن اللافقاريات التي وصفها: اللؤلؤ:

عند حديث المسعودي عن الخليج العربي جاء وصفه لحيوان اللؤلؤ بما يلي: ( وقد ذكرنا كيفية تكون اللؤلؤ تنازع الناس في تكونه منهم من ذهب إلى أن ذلك من المطر, ومن ذهب إلى أن ذلك  من غير المطر, وصفة صدف اللؤلؤ العتيق منه والحديث الذي يسمى بالمحار والمعروف باللحم الذي في الصدف والشحم,وهي حيوان يفرغ على مافيه من اللؤلؤ والدر خوفا من الغواصة كخوف المرأة على ولدها) والمسعودي هنا في هذا الوصف الرائع إنما يعبر عن كونه قد عرف أنه احد أنواع المحار ,وأن هناك سببا يؤذي إلى حدوث تغيير داخل بعض المحار فيتكون اللؤلؤ.