هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد, ظهر في الأندلس في عهد الخليفة يوسف وولد في قرطبة سنة 1125م, وتوفي سنة 1198م, وكان أبوه قاضيا بارزا في ذلك الوقت , وقد برز ابن رشد في عهد الخليفة المنصور الذي خلف عهد الأمير يوسف , وقد درس ابن رشد الفلسفة والفقه والرياضيات والطب والطبيعيات وتعمق في هذه العلوم منذ صغره وقد رعاه الأمير يوسف بإسناد من العالم المعروف ابن طفيل, وقد تولى ابن رشد عدة مناصب قضائية كقاضي لمدينتي إشبيلية ثم قرطبة, وبعد ذلك عين حاكما لإحدى المقاطعات في أثناء حكم الأمير منصور, بدأ ابن رشد ينشر آراء أرسطو ويعممها ويناقشها مما أثار عليه الحساد والحاقدين واتهموه بالخروج على الدين ورموه بالإلحاد فانقلب الأمير على ابن رشد وحاكمه واتهمه بالكفر والخروج على تعاليم الإسلام وأمر بسجنه وبعد وفاة المنصور خلفه ابنه الذي أعاد النظر في ابن رشد ورد له اعتباره وعوضه عما لحقة من ظلم وحيف , واسترد ابن رشد ألقابه ومكانته, ولكنه بعد ذلك غادر الأندلس إلى مراكش وبعد فترة قصيرة من وجوده هناك توفي تاركا ثروة فلسفية وعلمية في غاية الروعة والقمة لا تقدر بثمن. للأسف, لم ينل ابن رشد ما هو أهل له في بلده الأندلس ومن أبناء شعبه ,   لكن شهرته التاريخية برزت على يد علماء الغرب حتى اشتهر في أوروبا باسم (أفيروس) وقد أعجبوا به وكونوا جماعة عرفت (جماعة ابن رشد اللاتيني) ونادت هذه الجماعة بمذهب ابن رشد واعتنقته وسايرته وهو المذهب الذي نادى بحرية الفكر والبحث والنظر في القضايا العلمية وعدم التقيد بالآراء الجامدة التي كان ينادي بها أتباع أرسطو, ويقول الدكتور حسين فرج زين الدين: (إن مقالات ابن رشد تشتمل على الفقه والنحو والفلك والطب والفلسفة وما زال كثير من هذه المقالات محتفظا به في مخطوطات وبعضها نشر بالعربية أو ترجم إلى الألمانية , وابن رشد أكثر فلاسقة العرب والإسلام استقلالا بأفكاره) ودرس ابن رشد بصورة خاصة العلاقة بين طبيعة الاحتمال والحقيقة, ومن القضايا العلمية التي تتصل بالطبيعة وبعلم الحياة, دراسة العلاقة بين القوة الكامنة (الكمونية) وبين الطاقة الظاهرة, أو (الوجود الفعلي) فأرسطو يقول: إن الرخام احتمال يصبح حقيقة عندما يصنع تمثال وقد طبق أرسطو هذا القول على الحياة الطبيعية, فيقول إن البذرة والجنين هما احتمال بينما النبات والحيوان حقيقة, وقد عارض ابن رشد هذا القول وقال: إنه ليس هناك شيء كموني في الطبيعة إذ لم يكن له وجود فعلي مهما صغرت درجة نمو هذا الشيء أو كان في شكل يخفى على الناس, فالنبات موجود فعلا في البذرة مهما كانت درجة نموه قليلة وكذلك الحيوان في الجنين, ولذلك لا يمكن تطبيق هذه النظرية على الكائنات الحية.وبالنسبة إلى تشبيه أرسطو للطبيعة بالرخام شيء لا يمكن تطبيقه أبدا, وقد يكون التشبيه مقبولا إذا ما وجد التمثال معمولا , لا بشكله الحالي. وبهذا الاتجاه استطاع ابن رشد أن يخطو بالعلم خطوة واسعة وفلسفية نحو التقدم العلمي الصحيح التي تؤمن بالتطور الطبيعي وما تلاه من التقدم في بحوث علم الأجنة الذي اصبح دعامة لنظرية التطور  الحديثة وبذلك استبدلت نظرة أرسطو المجردة الكمونية بنظرة مقاربة مع الفكرة المعاصرة للطاقة, إن ابن رشد خطا خطوات كبيرة دللت على بعد نظر عظيم نحو بناء العلم على أسس صحيحة وكاملة وهكذا كان ابن رشد مفكر وعالم وفيلسوف العلوم الطبيعية ولقب بأرسطو القرون الوسطى, وشيخ الفلاسفة, ومهما كان الاتهام الذي وجهه البعض إلى ابن رشد باعتباره ناقلا ومترجما لآراء أرسطو فإنهم لم يدركوا الأعمال القيمة والبحوث العلمية التي أحدثها هذا الرجل في تفهمه السليم لما انطوت عليه الطبيعة من أسرار ومكنونات غامضة , إن ابن رشد أحد أفذاذ العصور الوسطى وأحد بناة أسس النهضة العلمية الحديثة في أوروبا والعالم أجمع.