هو أبو البقاء ابن محمد ابن موسى بن عيسى بن علي , كمال الدين,  الملقب بالدميري, نسبة إلى دميرة الشمالية بالقرب من سنمود بمديرية الغربية في مصر , ولد سنة 742هـ وتوفي عام 808هـ ودفن بالقاهرة في الحسينية, ولقد تخرج الدميري وتتلمذ في جامع الأزهر , وبعد ذلك بدأ يدرس في جامعة الأزهر بصفة محاضر  لأنه تمكن من الحصول على درجة الأستاذية.

يعتبر أهم من ظهر في عصر المماليك في التأليف والبحث في العلوم العقلية هما اثنان: أولهما ابن الهائم (شهاب الدين بن الهائم الفرضي المتوفي سنة 815هـ وله مؤلف هام في الحساب, والثاني هو الدميري السابق الذكر, الذي يعتبر كتابه (حياة الحيوان الكبرى) من أروع الكتب العربية التي وضعت في مضمار علوم الحياة في التراث العلمي للحضارة العربية, ويصف مؤرخو التاريخ العلمي العالمي هذا الكتاب بأنه يكاد أن يكون الوحيد الذي وضع خصيصا في هذا المضمار, والدميري له تاريخ وباع طويل في علوم شتى كان من أهمها وضعه هذا الكتاب واهتمامه في بكل جوانب حياة الحيوانات وسلوكها وتصنيفها ودراستها, دراسة تكاد  تكون شبه تامة لو توفرت له كل مقومات الجوانب العلمية البحتة المتوفرة في الوقت الحاضر , كما أنه كان يعتقد أن مزج العلم بالأدب والشعر والدين والفقه والتاريخ يبعد القارئ عن الملل والسأم من مطالعة موسوعته وهذا أيضا كان أحد الأسباب التي أفقدت كتابه معنويته العلمية البحتة , ولقد صدر كتاب (حياة الحيوان الكبرى) في أواخر القرن الثامن الهجري.

كتاب: حياة الحيوان الكبرى:

يعد هاذا الكتاب من أوفى الكتب التي وضعت في علوم الحيوان في الحضارة العربية منذ بداية القرون الوسطى وما تلتها, ولقد ذكر الدميري أن كتابه هذا جمعه من 560 كتبابا, و199 ديوان شعر, من دواوين الشعراء العرب وجعله في نسختين كبرى وصغرى, في الكبرى زيادة في التاريخ وتعبير الرؤيا , ولقد فرغ من مسودته وعمره لا يتجاوز الحادية والثلاثين. ولقد توخى في وضعه سبعة أمور  هي:

أولا: اللغة , وقد اعتمد فيها على ابن سيدة والجوهري والجاحظ الذي سبقه في الكتابة عن الحيوان, ثانيا: وصف الحيوان وعاداته, ثالثا: القصص, رابعا: ذكر أحكام الشريعة فيما يتعلق بالحيوان في مختلف المذاهب, خامسا : الأمثال التي فيها ذكر الحيوان واعتمد في أغلبها على الميداني, سادسا, الخواص الطبية والطبيعية لأجزاء الحيوان المختلفة, سابعا: تعبير الرؤى التي يرى فيها الحيوان.

هذا وقد رتب الدميري كتابه على حروف المعجم ليسهل على القارئ الوقوف على مايريده, فجاءت كأول موسوعة أبجدية نوعية عن الحيوان, لم يسبقه إلى مثلها أحد ممن كتب عن الحيوان قبله ,مثل أرسطو والجاحظ والاقزويني والبغدادي ولا بعده لقورن متعددة لأن هذا الطراز من الموسوعات النوعية إنما هو ما تتميز به الإسم التي استوفت قسطا وافرا من الحضارة في العصور الحديثة, وكان كتاب الحيوان للجاحظ من أهم الكتب التي كان يذكرها الدميرى, ويعد كتابه من الناحية التاريخية أول محاولة في المصنفات العربية, ظهرت في صورة منسقة, وجمعت شتات العلوم الخاصة بالحيوان سواء ممن نقل عنهم أو مما انطبع في أذهان العرب من حياتهم في البادية ,وفي مناحي الصحراء ولو راجعنا الحقائق والمشاهدات التي أوردها الدميري في كتابه ثم صرفنا النظر عما خالطها من ألوان الخيال والخرافات لدلت يقينا على أن العرب إنما كانوا يلاحظون طبائع الحيوان في دقة بالغة ويراقبون خصائصة مراقبة نفاذة, ولم يزعم الدميري حبن صنف كتابه أنه كان عالما في العلوم الطبيعية وإنما ذكر في تواضع العلماء أنه إنما جمع الحقائق المعروفة عن الحيوان في عصره, ووضعها أمام القارئ في إطار مرتب على حروف المعجم, ويتضح مما كتبه في مقدمة كتابه أن الباعث على وضع موسوعته هذه هو رغبته في تصحيح معلومات خاطئة عن الحيوان شاعت في أذهان الناس ورسخت حتى بين أقصى طبقات أهل علم في زمانه فوضع هذا الكتاب مشتملا على المعلومات الصحيحة والآراء الصائبة المعروفة في عصره, ونجد في كتاب الدميري موادا مطولة مسهبة وأخرى مقتضبة موجزة, بحسب أهمية الموضوع وما قد تحتوي عليه من حشو وإفاضة, فقد تستطيل المادة إلى جملة صفحات عن الحيوانات المشهورة كالأسد والإبل والخيل والفيل , أو تقتصر على بضعة أسطر أو بضع كلمات عن الحيوانات النادرة أو غير ذلك من الحيوانات الغير مألوفة ,وتبدأ كل مادة بتعريف اسم الحيوان وشرح الإسم من الناحية اللغوية وتعداد الأسماء التي يكنى بها الحيوان معتمدا على أشهر فقهاء اللغة, يتلو ذلك وصف الحيوان وذكر طباعه, وعدد أنواعه وأصنافه, ثم يروي الأحاديث النبوية التي ورد فيها اسم الحيوان, وهو الوحيد الذي جعل الأحاديث النبوية مادة علمية مكتوبة, وتناول في المواد المطولة كل ما يتصل بالحيوان من التحريم أو الإباحة ليس فقط من ناحية الأكل, بل كذلك في كل ماله علاقة بالحياة العادية للمسلمين, مثل الصيد أو الدية أو الزكاة, أو الطهر أو النجاسة, ثم ينتقل إلى الأمثال التي ذكر فيها الحيوان, ثم يخطو المؤلف إلى ذكر الخواص الطبية وغير الطبية لأجزاء الحيوان المختلفة وعصاراته, وفضلاته.

قد يعتقد البعض أن ماذكره الدميري فيما يخص الاستفادة من أعضاء الحيوانات من الوجهة الطبية تعتبر من الخرافات التي ابتلت بها العصور القديمة إلا أن نتائج البحوث الحديثة لمعرفة قيمة المواد العضوية التي تستخلص من  الغدد الحيوانية وغيرها لا تدع مجالا  للشك في صحة ما ذهب إليه الرواد الأوائل في ميدان العلاج, وكان هؤلاء الرواد يستخدمون نفس المنجات الحيوانية على حالتها الطبيعية وقد اتجه الطب الحديث إلى الأخذ بهذه النتائج وأصبحت من أسباب تقدم العلاج, وعلى ذلك تعد المحاولات القديمة على الأقل بذورا في حقل العلاج الطبي, وينهي الدميري عادة كلامه عن كل حيوان يصفه بذكر التعبير في المنام, وتكلم أيضا عن القصص التي تتصل بالحيوان من جملتها هدهد سليمان وحوت موسى, ......إلخ. وتوجد من كتاب حياة الحيوان للدميري نسختان كبرى وصغرى, والكبرى هي التي اهتم بها العالم العربي واعتمد عليها وتوالت طباعته عدة مرات, ولقد ترجم كتاب الدميري إلى اللغة الإنجليزية وطبع في لندن عام 1906م, وعرف الكتاب في جميع أنحاء أوروبا وجامعاتها ولعب دورا هاما في الثقافة الغربية ,أدى فعلا إلى تقدم الحضارة الأوروبية في مضمار علوم الحيوان الحديث, حتى أن العديد من فطاحل علماء الغرب المعروفين اقتبس منه واستفادوا من موسوعته القيمة هذه, ومن الجدير بالذكر أن كتاب حياة الحيوان , لم يكن جمعا من كتب أخرى كما يزعم بعض الكتاب, وإنما الدميري مؤلف تمكن أن يصف جانبا كبيرا من الحيوانات وصفا دقيقا مركزا. 

يعتبر الفيلسوف الألماني جيته أبا لعلم التكافل في أوروبا عامة وألمانيا خاصة,وذلك لمجرد عبارة عارضة جاءت في مؤلفه (فاوست) ومضمونها أن (روحين يسكنان صدري) ولكن للدميري فضل السبق في الحديث عن هذا العلم وهو لم يذكره في عبارة عارضة بل سجل ما يثبت وجود هذه الظاهرة التكافلية بما لا يتحمل تأويلا, ولهذا فهو جدير بأن يتبوأ مكان الصدراة ومنزلة السبق في الكشف عن هذا العلم الحديث, ويقول الدكتور : حسين فرج زين الدين: (إذا كان جبته هو رائد علم التكافل فإن الدميري هو الرائد الأول وصاحب الفضل الأسبق عندما قال: إن بين الظب والعقارب مودة)

الدميري وعلم الحيوان الحديث:                               

من المعلومات العلمية البحتة التي ذكرها الدميري في كتابه والتي تطابق البحوث العلمية المعاصرة , أنه وصف الحلزون بقوله: إنه دود في جوف أنبوبة حجرية يوجد في سواحل البحار وشطوط الأنهار, وهذه الدودة تخرج بنصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة الصدفية وتمشي يمنة ويسرة تطلب مادة تغتذي بها, وكل هذا يطابق ماذكره العلم الحديث عن الأنبوبيات التي تنتمي إلى قبيلة الديدان الحلقية, والتي تعيش في أنابيب تصنعها لنفسها  من إفرازها أو من حبات الرمل المتماسكة, وقد يطلق عليها اسم المستقرات, ويذكر الدميري أن الإبل بدون مرارة, وهذا صحيح لأن معظم الظلفيات ومن بينها الجمل بدون مرارة, ويذكر الدميري عن الخيل بقوله: أن الخيل كانت وحشية كسائر الوحوش ثم دجنها الإنسان واستأنسها, وهذا صحيح حيث أن دراسة العلماء الذين درسوا التطور للخيول حديثا, ولا زال قسم من الخيول إلى الآن, في حالة وحشية في مناطق عديدة من أمريكا والاتحاد السوفييتي.

وعن الخفاش فإنه يصفه وصفا يكاد لا يختلف عن الوصف العلمي الحديث, فيقول: ليس هو من الطيور في شيء , فإنه ذو أذنين وأسنان, وللذكر منه خصيتين, ومنقار وهو يحيض ويطير ويضحك كالإنسان ويبول كما تبول ذوات الأربع ويرضع ولده ولا ريش له, وتلد أنثاه ما بين ثلاثة أفراخ إلى سبعة. وباستثناء أنه يحيض فكل ما جاء عن الدميري كان صحيحا.

ويتحدث الدميري عن سمك الكوسج ويصفه وصفا علميا صحيحا بقوله: الكوسج سمكة في البحر لها خرطوم كالمنشار تفترس به وربما التقمت ابن آدم وقصمته نصفين وهي القرش ويقال لها اللخم, وكان يقول نقلا عن القزويني: (الكوسج نوع من الأسماك وهو في الماء شر من الأسد في البر يقطع الحيوان في الماء بأسنانه كما يقطع السيف الماضي, ورأيته وهو سمكة مقدار ذراع أو ذراعين  وأسنانه كأسنان الناس تنفر منه الحيوانات البحرية وله أوان معين يكثر فيه بدجلة البصرة) وهذا الكلام كله صحيح, فمن المعروف أن الكوسج, من أشرس الأسماك البحرية قاطبة, وأنواعه المعروفة 35 نوعا, وجميعها كبيرة الحجم مستطيلة الشكل وتعيش منه بعض الأنواع في شط العرب في محافظة البصرة من العراق. وخذ على هذا المنوال الكثير والكثير من الحيوانات.