هو حنين ابن إسحاق العبادي, ولد في مدينة الحيرة, سنة 194هـ والحيرة مدينة على الضفة الغربية من الفرات ,وتبعد خسة كيلو مترات عن مدينة الكوفة قرب مدينة النجف من العراق, نشأ حنين كأبيه مولعا بالصيدلة والاهتمام بدراسة الحشائش والنباتات والطب, وبرع حنين براعة فائقة في اللغة العربية وقد درسها في البصرة واعتمد في ذلك كتاب العين: للخليل بن أحمد الفراهيدي, الذي كان أهم مصدر من مصادر العربية وأصولها, وقد برز حنين في عصر المأمون فكان من ألمع المترجمين العرب, وهو من الأوائل الذين استنبطوا الطرائق العلمية والنقدية في الترجمة وقد مارسها بنجاح كبير , وكان لا يكتفي بمخطوطة واحدة يترجم عنها, بل كان يعمد إلى جمع أكبر عدد من المخطوطات للكتاب الواحد قبل إقدامه على ترجمته ويرجع إلى الترجمات السابقة للكتاب بعينه إن توفرت ,ويستنير بآراء العلماء القدامى, وللوصول إلى درجة عالية من الجودة والإتقان.  وتوفي حنين ابن إسحاق سنة 260هـ.  وأهم أساتذته : أبو زكريا يوحنا بن ماسويه, وتتلمذ حنين في مدرسة سميت مدرسة المترجمين , وقرأ حنين عل أستاذه يوحنا كتاب فرق الطب الموسوم باللسان الرومي والسرياني, وواكب حنين على دراسة اللغة اليونانية حتى حدقها تماما وبهذا تمكن أن يستقي العلوم الطبية من أساطينها الأصليين وهو أبقراط, وجالينوس وغيره, وبعد اتقانه لليونانية والسريانية رافق جبرائيل بن بختيشوع, أشهر أفراد عائلة : بختيشوع, والطبيب الخاص للخليفة المأمون, وقد قام حنين بترجمة كتاب جالينوس: أصناف الحميات, وكتاب ( في القوى الطبيعة) بطلب من بختيشوع, ونتيجة للذكاء الثاقب والنشاط العلمي المتميز وكفايته اللغوية, الجيدة امتدحه يختيشوع عند الخليفة المأمون مما حدا بالأخير أن يجعله رئيسا لبيت الحكمة البغدادي.

ترك حنين آثارا ومؤلفات قيمة لعبت دورا هاما وأساسيا في تقدم العلم والحضارة, وكان شيخا من شيوخ الترجمة العربية, ولذا فإن من مآثره ما ستبقى  خالدة عبر الزمان, ومن أجل حبه للعلم ونشره بشكل يفيد الناس أجمعين, جاب الأقطار في طلب الحصول على أي كتاب أو مصنف علمي وطبي, وبعد وصول حنين إلى قمة المجد كأشهر مترجم للكتب العلمية والطبية أصبح طبيبا بارزا في زمن الخليفة المتوكل مما جعل حساده ومعارضيه والناقمين عليه كثيرون لا شيء إلا لأنه علم يحب العلم والسير في طريق الخير, لذلك وشا به بختيشوع بن جبرائيل وإسرائيل بن زكريا الظيفوري عند الخليفة المتوكل بالاحتيال والخديعة والاتهام له بالكفر والزندقة والإلحاد حسدا منهم لعلو مرتبته العلمية ولبروزه الطبي وبعد تزييف موقف هذا الرجل أمر الخليفة بحبسه وتعذيبه. وأثناء ذلك مرض الخليفة مرضا شديدا, مما حدا بحاشيته أن يستدعو حنينا لمعالجة الخليفة حتى برئ من مرضه هذا وعرف الحقيقة, ولذلك أعاد له عزه وأغدق عليه, لكن حنين لم ينسى الأزمة التي مر بها, ولم ينسى حياة السجن القاسية فمات متأثرا بذلك في خلافة المعتمد على الله.

ترك حنين بن إسحاق حوالي 140 كتابا ورسالة في علوم الطب والأدوية والنبات والتشريح والنحو والفلسفة والمنطق والتاريخ والديانات, أكثرها مترجمة عن اليونانية إلى السريانية ومن ثم إلى العربية, فقد ترجم من مؤلفات جالينوس إلى السريانية وحجمها 58 مصنفا وإلى العربية 12 مصنفا, وكثيرا ما خلط النساخ ما بين مؤلفاته ومؤلفات جالينوس . ومن أهم مؤلفات حنين في الطب كتاب (المسائل في الطب) وبقي هذا الكتاب فترة طويلة يدرس في مدارس وسط أوروبا الطبية والصحية , وكان حنين فعلا شيخ المترجمين, فقد كان ينقل كتب اليونان إلى السريانية ثم يقوم بترجمتها إلى العربية أو يكلف أحدا من تلاميذه بهذا العمل, ويعتقد أن حنين إنما كان يقوم بذلك , بسبب غزارة المصطلحات العلمية والفلسفية السريانية مقارنة بمثيلاتها من العربية في تلك الحقب, وكان يتوخى في الترجمة وفي وضع المصطلح العلمي الدقة العلمية والمعنى والتعبير السليم الذي لا يلفه الغموض, متحاشيا التحوير والتبديل غير الموضوعي, وكان دقيقا وأمينا, كما وضع حنين مؤلفات ومصنفات في علوم الحيات, وكتب في الأعشاب, والأدوية المفردة, وفي تشريح الحيوان الميت, ووضع كتابا في الأغذية , وفي النبات, وفي اللبن, وكتابا في البيطرة وكتابا في البقول ومنافعها, وكتابا في الفواكه ومنفاعها.