هو عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد المعروف بالشيخ موفق الدين عبد اللطيف البغدادي المعروف بابن اللباد,علامة طبيعي وطبيب وجغرافي إسلامي (1162-1231) ولد في بغداد وينسب إليها وشب فيها, وهو موصلي الأصل ,ولد لعائلة عريقة في العلم والمعرفة والثقافة, فقد كان والده يوسف عالم بالحديث وعلوم القرآن, وعمه سليمان كان من أهم فقهاء الموصل آنذاك.

تتلمذ على كبار علماء بغداد في العربية والنحو والبلاغة وأسسها وتمكن من علوم الدين والفقه والأدب والفلسفة والكيمياء والطب, والرايضيات, وكان من أبرز أساذته العالم الرياضي الفقيه: ابن يونس ( من العلماء الذين شاركوا في حل مسائل هندسية طرحها الإمبراطور الأملاني : فردريك الهوهنشتاوفي ) وأصبح بعد ذلك بالإضافة إلى كونه طبيبا عريقا , أصبح لغويا بارعها وفقيها مجددا ومؤرخا كبيرا وفيلسوفا قديرا وعالما متمكنا في عالمي النبات والحيوان, يقول الدكتور  عبد الكريم شحادة: (ابتدأت حياة البغدادي باكرا جدا, فقضى طفولته في الجد والاجتهاد لا يعرف اللعب واللهو, وتربى وترعرع على أيدي مشاهير بغداد وعلمائها وأدبائها آنذاك, وكانت تبدو عليه مخايل النجابة والفطنة منذ الطفولة,  كان حاد الذكاء قوي الملاحة سريع الفهم والحفظ تفوق على جيمع أقرانه)

واستكمل البغدادي دراساته في بلاد الشام ومصر , وفي فلسطين أكمل تأليفكتابه (الإفادة والاعتبار ) وذلك في مدينة القدس, كما التقى البغدادي السلطان صلاح الدين الأيوبي,ولقي لديه تقديرا وتكريما فعينه مدرسا في أحد مساجد دمشق, وبعد وفاة صلاح الدين,توجه البغدادي إلى مصر حيث تمتع هناك برعاية الأيوبيين , وعمل في التدريس  وواصل أبحاثه في مجال الطب والنبات, وبفضل صلتة بالأيوبيين تعرف على عدد من علماء ورجالات الشام ومصر منهم مؤلف سيرة صلاح الدين وهو (عماد الدين الأصفهان) والوزير القاضي الفاضل , والطبيب الخاصلصلاح الدين( موسى بن ميمون وكان من الطائفة الموسوية) وكان البغدادي من معاصري ياقوت الحموي وصديقا لجد الطبيب ابن أبي أصيبعة ومن معلمي أبي الطبيب المذكور.

وكان يتردد إلى الجامع الأقصى  وصنف هناك كتبا كثيرة , ثم توجه إلى دمشق  ونزل بالمدرسة الغزيزية وشرع في التدريس والاشتغال وكان يأتيه خلق كثيرون يشتغلون عليه, وتميز في صناعة الطب بدمشق وصنف في هذا الفن كتبا كثيرة , ثم سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم وأقام بها سنين كثيرة , ثم عاد إلى حلب حيث اشتغل بتدريس صناعة الطب وغيرها, ولقد عرف البغدادي بحبه للسفر واستمر هذا الحب حتى الأيام الأخيرة من عمره حتى أنه جاوز السبعين وهو يمتطي الدروب ليزداد علما ومعرفة, وكان يحمل معه في أسفاره ما يستطيع من كتب, كما كان يؤلف ويصنف ويكمل ما ابتدأ به أنى حل وحيثما قام, ولما بلغ الثانية و السبعين من العمر توجه للحج ولكن عن طريق مسقط رأسه بغداد وذلك ليهدي إلى خليفتها المستنصر بالله بعضا من مؤلفاته فترك حلب مارا بحران قاصدا بغداد فدخلها مريضا وتوفي فيها سنة 929هـ ودفن في مقبرة الوردية بجوار أبيه دون أن يلحق بالحج ودون أن يقابل الخليفة وذلك بعد أن غاب عن بغداد 45سنة, وأوضح الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) أن البغدادي تنبأ بهجوم المغول على البلاد الإسلامية وفعلا حدث هذا التوقع.

أما عن مؤلفاته فيقول ابن أبي أصيبعة: وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلي وقتا من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة, والذي وجدته من خطه أشياء كثيرة جدا بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخا متعددة, وكذلك كتب كتبا كثيرة من تصانيف القدماء وكان صديقا لجدي وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لما كنا بها, وكان أبي وعمي يشتغلان عليه بعلم الأدب واشتغل عليه عمي أيضا بكتب أرسطو طاليس, وأما عن صفاته الشخصية فقيل عنه : كان شيخا نحيف الجسم , ربع القامة, حسن الكلام, جيد العبارة, وكانت مسطرته أبلغ من لفظه, وكان البغدادي شديد الاعتداد بنفسه صريحا جريئا لاذع النقد, ويجمع المؤرخون والمترجمون على أن البغدادي كان شديد الذكاء, سريع الحفظ واسع الاطلاع , غزير المعرفة خصب الإنتاج ألف وصنف كتبا كثيرة في الطب والنحو والمنطق وأصول الدين والحيوان والنبات واختصر كتب الأقدمين وعلق عليها, ولقد بلغت تصانيفه ومؤلفاته ما يقارب السبعين كتابا ومائة مقالة, منها ستون كتابا ومختصرا ومقالة في الطب وحده.

وصف البغدادي الكثير من نباتات مصر التي شاهدها ووقف على أنواعها وأجناسها وثبت ذلك في كتابه الذائع الصيت ( الإفادة والاعتبار) وصف فيه الكثير من النباتات مثل البامية, والجميز, ونبات البلسان, والقلقاس,  والقرظ, والنخل والقراسيا,  وكان وصفه يتميز بالعلمية, والدقة.

وكما اهتم البغدادي بالنبات اهتم بالحيوانات, فوصف تربية الدجاج على أسس علمية, وهو أول من قال عن عملية تفريخ الدجاج بالحاضنات, وتحدث عن البقر, ووصف وجودها وحياتها بمصر, وتحدث عن تماسيح النيل, ووصف سمك الرعاد, وتحدث أيضا عن الكلجأة, وهي جنس سلاحف بحرية.

وفي النهاية نذكر النهج الذي تميز به البغدادي:

استخدم البغدادي الوصف العلمي الدقيق بشكل سرد موضوع والتركيز على صفة معينة بالأحياء الموصوفة وهي ميزة مستخدمة الآن في معظم المؤلفات الحديثة, وحاول بقدر المستطاع أن يحدد موقع الحيوان أو النبات الذي وصفه جغرافيا ويوزعه حسب بيئته الأصلية, وهذا ما يسمى اليوم بالجغرافيا الحياتية الإحيائية, وكما أنه فند وعارض العديد منالمعلومات الخاطئة التي ذكرت قبله من علماء الإغريق والعرب عن بعض الحيوانات والنباتات وبذلك كان مستقلا في منهجه العلمي, وكان  من أوضح وأماط اللثام عن أن العرب عرفوا واستخدموا التفريخ الصناعي في الدجاج, كما أنه كان صريحا فيما طرحه حول أمور شاهدها هو بنفسه وأمور أخرى سمعها أو أقاويل طرحها البعض بالنقل والسماع من الغير وبذلك كان أمينا, في نقله ووصفه, كما أنه أدخل عنصر المقارنة العلمية البحتة فيما وجده من نبات وحيوان في مصر الذي استضافته وموطنه الأم العراق, ولقد استفادت المدارس الأوربية من معلومات البغدادي ,وكانت كتبه تدرس كمواد أساسية في المدارس والجامعات.

زار مدينة حلب عام 1207م, ومنها قام بزيارة إلى أسيا الصغرى حيث أمضى عدة أعوام وأقام فترة في بلاط أمير أرزنجان في أرضروم, وهناك بلغته أخبار الغزو المغولي.

تناولت دراساته في الطب إلى جانب نباتات مصر وحيواناتها , الموميات حيث طبق على عدد منها النظريات التشريحية وذلك في موقع بوصير, ونتيجة لذلك دحض قول غالينوس: بأن الفك الأسفل مكون من عظمتين , فبين البغدادي أنه مكون من عظمة واحدة, وفي مصر أيضا فند البغدادي الآراء الخافية المتعلقة بأصل نهر النيل وفيضانه ودعا إلى المحافظة على الآثار المصرية وشجب العبث بها , وكتب البغدادي عن جغرافية مصر وطبيعنها وآثارها وأبنيتها وسفنها وسكانها والأطعمة والأشربة فيها, وتحدث عن المجاعة الرهيبة التي حدثت فيها أعوام 1200-1202 والتي أكل فيها المصريون أجساد موتاهم واختطفوا بعضهم بعضا بما في ذلك الأطباء لسد الجوع.

لقد كان البغدادي غزير المعرفة ملما بالمؤلفات الطبية العربية واليونانية , ملما بأعمال أرسطو وديوسقوريدس إضافة إلى أعمال غالينوس,وكان بحاثة في العلوم الطبيعية بشكلعام ,وقد انعكس ذلك على مؤلفاته العديدة التي شملت الطب والتشريح , والتشريح المقارن والنبات والجغرافيا والآثار وغيرها إضافة إلى الفقه والأدب وتضم كتب ومصنفات البغدادي كلا من: (كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر) وهو ملخص لمصنف ضخم في الموضوع ذاته, وقد أهداه إلى الملك العادل,شقيق السلطان صلاح الدين, ويحمل المصنف عنوانا هو: (الإفادة والاعتبار بما في مصر من آثار) وكتاب (الجماع الكبير) وغيرها الكثير, ولقد لقيت مؤلفات البغدادي اهتماما كبيرا من الباحثين والمستشرقين.