ولد داوود بن عمر الضرير الملقب بالشيخ داوود الأنطاكي والحكيم الماهر والطبيب الحاذق, جالينوس أوانه وأبقراط زمانه, في مدينة أنطاكية, شمالي سوريا, وسط سهل خصب رائع الجمال في الحوض الأدنى لنهر العاصي, في بداية القرن العاشر الهجري,  مكفوف البصر, ولقد تعلم من كتب قدماء اليونان كأبقراط وديسقوريدس وجالينوس, ومن كتب العرب والمسلمين كابن سينا والرازي, والزهراوي, وغيرهم, وتشير المصادر أنه كان محبا للسفر والترحال رغم عاهته, وقد ترك مدينته وهو شاب فزار بلدانا عديدة ليأخذ من علومها وفلسفتها وطبها وكل ما يتعلق بثقافة هذه الأقطار, وتذكر بعض المراجع أنه قد أتقن عدة لغات من بينها اليونانية وهذا ساعده على أن يعرف فوائد النباتات الطبية الغير عربية, وعرف عن الأنطاكي اسهابه في الرد على أي سؤال , وهو منذ شبابه امتهن الطب وتخصص فيه وبما يتعلق به, وبالأخص الطب العلاجي وتحضير الأدوية والوصفات وهو ما يعرف اليوم بالصيدلة, ولقد توفي الأنطاكي في مكة المكرمة أثناء تأدية الحج, عام 1008هـ

ترك الأنطاكي مؤلفات عديدة قررت بأكثر من 30 كتابا ورسالة, ومعظمها ينصب في مجال الطب والإستخدامات للنباتات والحيوانات والمعادن والتداوي بها, ومنها: النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة, وتزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق, وأنموذج في علم الفلك, وغيرها.

كان الأنطاكي يستعرض في كتبه التذكرة بما سبقه من علماء العرب والإفرنج في أعمال تركيب الأدوية من مصادرها الأساسية (النباتية والحيوانية والمعدنية) وينقد أكثرها لعدم قناعته بتوفر الصيغة العلمية فيها, وأشار الأنطاكي إلى أنه وضع لنفسه عشرة قوانين سار عليها في ترتيب مفرداته وتحقيقها وتصحيح ما أخطأ فيها ممن سبقه, وما جاء به من جديد هذه الفردات والمركبات, وهذه القوانين التي التزمها الأنطاكي في كتاباته هي: ذكر اسمه بالألسن المختلفة ليتم نفعه, ماهيتة من لون ورائحة وطعم ولزوجة وخشونة وملاسة وقصر وطول,ذكر حسنه ورديئه ليؤخذ أو ليجتنب, ذكر درجته في الكيفيات الأربع ليتبين الدخول به في التركيبات, ذكر منافعه في سائر أعضاء البدن, ذكر كيفية التصرف به مفردا أو مع غيره, ذكر مضاره ,ذكر ما يصلحه, ذكر المقدار المأخوذ منه مفردا أو مركبا, مطبوخا أو مشتقا, بجرمه أو عصارته أو أوراقه, أو أصوله إلى غير ذلك من أجزاء النبات المختلفة, وأخيرا: ذكر ما يقوم مقامه إذا فقد.

ولكن مع علمية هذا العالم العربي فقد أدخل في كتابه (أولي الألباب والجامع للعجب العجاب) ما لايتفق والذوق العام أو أصول الطب الحديث وما ليس للطب أو الصيدلة فيه بشيء مما لا يمكن الدفاع عنه, ويبدو أن الأنطاكي قد استجاب لما كان موجودا من معتقدات أو أمور عامة شاعت في تلك الفترة أو اعتمد أسلوب العلاج النفسي في العلاج حسب اعتقاده, ومن أمثلة هذا الخلل بالمنهج العلمي الذي وفع فيه: أنه قال في علاج الحصاة التي تتكون داخل المثانة قال: يوضع دف على الأذن وينقر عليه فتسقط الحصاة, وما أشبه ذلك, وحفل الكتاب أيضا بأشياء غريبة كمنازل الكواكب, وبروجها والتعاويذ والدعية وأحاديث في السحر والطلاسم.

ولقد وصف الأنطاكي الكثير من النباتات وبالأخص التي يستفاد منها في التداوي, مثل : الأفيون والبابونج, والحلبة والحنظل, والتمر الهندي, والداتورة ,والراوند, والقرفة, والقرنفل والكزبرة, وغيرها الكثير.

واهتم أيضا الأنطاكي بالحيوان وأورد أوصافا رائعة لكثير من الحيوانات, وبين فوائد قسم منها وأعضائها كعقاقير ودخول البعض من لحومها في صناعة الأدوية, ومن الحيوانات التي تحدث عنها: أبو عرس, والأفعى والتمساح وأبو حجل, والحمام, والخطاف والروبيان.