رياضي وفلكي وعلامة وفيلسوف إسلامي (973- 1048) ولد  في خيوة قرب بيرون من ضواحي خوارزم وينسب إلى مسقط رأسه وهي بلده طيبة بها غرائب وعجائب ,نشأ في أسرة بسيطة لكنها أتاحت له مجال التعلم , وكان حاسدوه يلقبونه بابن الضاحية , كان البيروني مولعا بالعلوم والفلسفة منذ سن مبكرة وقد غادر الدول المحلية الصغيرة (دولة بني عراق) التي كان ينتمي إليها وهو في سن العشرين إلى سواحل بحر قزوين,على اثر انقلاب سياسي, فلقد عاصر البيروني أحداثا سياسية عاتية عصفت بآسيا الوسطى وأفغانستان وإيران وغيرها من البلدان المجاورة, فانعكست بطبيعة الحال على مراحل حياته وعلى دراساته, وقد امتد العمر به حتى تعدى سن الثمانين, ولقد عاصر  الشيخ الرئيس ابن سينا وكانت بينهما مناظرات ومراسلات كثيرة كما جمعتهما زمالة مجمع العلوم الذي أسسه أمير خوارزم مأمون بن مأمون, وكان يزاملهما أيضا في نفس المجمع المؤرخ العربي ابن مسكويه, وأبو الريحان كان من أجل المهندسين وقد سار في بلاد الهند أربعين سنة, وصنف كتبا كثيرة معظمها بخطه.

 وكان يلم بشيء من اللغة السريانية والعبرية فتعلم شيئا عن علم الأعشاب على يدي عالم يوناني مقيم في خوارزم وقد ذكر من أساتذته الطبيب الفلكي : أبا سهل عيسى المسيحي , والذي تعلم على يديه في جرجان,وقد أتيحت الفرصة للبيروني رغم الظروف القاسية التي مر بها , ليتلقى تعليما جديا ويطلع على علوم وثقافات متعددة ,وقدر له أن يفيد من أسفاره المتعددة وفي جرجان ذاتها لقي الرعاية من أميره الأديب المتعلم ولكنه كان ظالما وهو: قابوس بن وشمكير الزياري, (أمير جرجان وطبرستان) وهو الذي رفع إليه البيروني كتاب: (الآثار الباقية ) وعاد إلى مسقط رأسه وهو ابن سبعة وثلاثين عاما, وقد اشتهر بثقافته الموسوعية العلمية والأدبية , فقد أبدع في علوم الرياضيات والفيزياء والفلك والجغرافيا والجيولوجيا إضافة إلى الفلسفة واللاهوت , وغير ذلك ,وقد كانت شهرته العلمية سببا لاهتمام السلطان محمود الغزنوي به, فعندما غزا الغزنوي خوارزم أخذه معه إلى غزته في جملة الأسرى الذين اقتادهم هذا المغولي فوصل إلى غزنة عام 1018 وأبقاه تحت المراقبة , فمر البيروني بتجربة قاسية ومع ذلك ألف كتابه المشهور عن الهند ولكن تحسنت أحوال البيروني في عهد السلطان مسعود بن محمود, فزار مسقط رأسه عام 1034م, وجدير بالذكر أنه ارتبط بمراسلات مع مع معاصريه,  إضافة إلى ماكانوا يعلمونه منالعلوم الهندية والعربية الإسلامية.

 تميز البيروني بالنظرة الناقدة والعقلية الخلاقة والمنهاجية العلمية والتجريبية والبحث وتحري الحقيقة وحب المعرفة كل ذلك إلى جانب خلق التسامح,  وللبيروني قول مأثور: ( إن ا لله عالم كل شيء لا يسامح بالجهل) ويعتبر البيروني من أعظم علماء الإسلام والعلماء العالميين عموما, ويشتهر بلقب الأستاذ ,وقد كان إلى جانب مؤهلاته العلمية رحالة وجماعة. ويعود الفضل للبيروني بالخدمة الكبيرة للعلم من خلال بيان أهمية الأرقام الهندية واستعماله لها بما فيها الصفر (للنظام العشري) وتقدم البيروني بآراء كثيرة سابقة تماما لزمانه وذلك في موضوعات علمية متعددة فقد بحث في دوران الأرض حول محورها لكن لم يصل في ذلك إلى نتيجة حاسمة , وتكلم عن كروية الأرض وعن تعيين خطوط الطول  والعرض وتسطيح الكرة وتحليل مساقط الخرائط ,وذكر  أن سرعة الضوء أكبر كثيرا من سرعة الصوت ومن سرعة دوران الأرض, وقام بقياسات جيوديسية وحسب طول محيط الأرض,وحدد سمت القبلة (اتجاه مكة المكرمة) في بقاع مختلفة من  العالم, وناقش علاقة المواقع الجغرافية وأوقات الصيف والشتاء في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي,وطول النهار في القطب حيث  تغيير المساء في فصل الصيف, وناقش في علم الأرض ,  ووضع طغيان  البحر على اليابسة وانحساره عنها وذكر وادي السند كمثال على مقولته هذه, وأشار إلى خضوع منابع النيل إلى قواعد علم توازن القوى الساكنة للموائع (الهيدرووستاتيكا) وتحدث عنالمياه الجوفية وتشكل الينابيع الطبيعية, كما قام بحساب الأوزان النوعية لعدد من المعادن والأحجار الكريمة, بلغ 18 مادة مختلفة وكانت أوزانه على درجة عالية من الدقة , واستخدم جهازا اخترعه بنفسه ويعد جهاز البيروني أقدم جهاز لقياس الكثافة في العالم, ووجد البيروني أن الثقل النوعي للماء البارد يقل عنه في الماء الساخن, أي يزيد حجم الماء بالتبريد, كما أشار لظاهرة تمدد المعادن عند تعرضها للحرارة وتقلصها إذا ما تعرضت للبرودة, كما تعرض البيروني في أحد كتبه لموضوع اتزان السوائل فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل وتزانها, وبين كيفية تجمع مياه الآبار والمياه الجوفية بالترشح من الجوانب, وكان من مؤيدي القول بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى عين المشاهد , ولاحظ أن سرعة الضوء سرعة عظيمة جدا إن هي قيست بسرعة الصوت. وفي الرياضيات كان واحدا من  أعظم الذين أسسوا قواعد علم حساب المثلثات الحديث, واشتغل على المتواليات وحسب مجموع المتوالية الشطرنجية المشهورة القائمة على تضاعف المحتوى الرقمي لأربع وستين خانة (أي: 1+2+4+8+16+16......) وهو من أوائل العلماء الذين استخدموا أسلوب التقريب المتتابع في حل المسائل الرياضية (المقالة الثالثة في كتاب القانون المسعودي في الهيئة والنجوم , وفي كتاب: استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني الواقع عليها) وحل أيضا مسائل رياضية تعرف باسمه ولا تحل بالمسطرة والفرجار منها حساب قطر الأرض , وتقسيم الزاوية إلى ثلاث أقسام متساوية.

وفي مجال الطب أشار البيروني إلى التوائم السيامية واستعرض الكثير من المواد الدوائية جامعا بذلك ما بينالمعارف الصيدلانية العربية والهندية, وفي مجال النبات أشار البيروني إلى أن بتلات الأزهار يمكن أن تكون من 3 بتلات أو 4 أو 5 أو 6 أو 18 ولكن لا تكون من 7 أو 9.

وليس من ممكن ولا المطلوب استعراض مواد مؤلفات البيروني العديدة هاهنا خاصة وأن كثيرا منها قد فقدت فلقد أمضى زهاء أربعين عاما دارسا ومؤلفا فقدم اسهامات فاعلة في كثير من مجالات العلوم, وله أكثر من عشرين رسالة موجزات تناول فيها الرياضيات والجغرافيا والفيزياء والطبيعيات والجويات والمعادن والأحجار الكريمة , وحساب الوقت وصناعة أجهزة وأدوات الرصد والشعر ولم يعتبر البيروني نفسه خبيرا في  الطب كما أنه لم يتعمق في دراسة العلوما لشرعية والدينية والفلسفية وتضم مؤلفات البروني كلا من :

الآثار الباقية عن القرون  الخالية:  وهو كتاب لا نظير له في الأدبيات العربية والإسلامية وقد صنفه البيروني وهو ابن حوالي 27 سنة ويضم هذا الكتاب وصفا كاملا لمختلف التوقيتات والأعياد عند أمم كثيرة مختلفة الديانات (كعرب الجاهلية والمسلمين والخوارزميين والفرس والرومان واليونان القبط والنصارى واليهود والصغد) وقدعرف الأوروبيون كتاب الآثار الباقية منذ بعض الوقت.

تقاسيم الأقاليم: وهو مصنف جغرافي كتبه عام 1031م.

القانون  المسعودي في الحياة والنجوم: ويقع في 12 بابا ويشكل موجزا لمجمل علم الفلك إلى ذلك العصر مع حساب التوقيت وحساب المثلثات والرياضيات والجغرافيا وحركات الأجرام السماوية خاصة الكواكب السيارة والقمر والشمس وقد أهدى البيروني هذا الكتاب إلى السلطان مسعود بن محمود الغزنوي حيث جرى تصنيف هذا المرجع في الهند.

تحرير ما للهند منمقولة مقبولة في العقل أو مرذولة : وهو كتاب فريد ومتميز من نوعه ووثائقي في بعض جوانبه ويعتبر ذروة أعمال البيروني , ولعله أشهر كتب البيروني عند الأوروبيين ويعرف هذا الكتاب أيضا باسم : كتاب الهند وألفه وهو في الهند وضمنه ملاحظاته ومشاهداته وذكر فيه أنه ترجم إلى العربية من اللغة السنسكريتية كتابي: ساكايا, وبتنجال ,وهما كتابان روحيان.

كتاب : الصيدنة في الطب: وقد ألفه بعد 50عاما من تاريخي تأليف الآثار الباقية وذلك في عهد السلطان مودود بن مسعود بن محمود, وهو آخر أكبر مؤلفات البرويني.

التفهيم لأوائل صناعة التنجيم: وقدمه البيروني  إلى سيدة متعلمة وافدة من خوارزم (ريحانة بنت الحسين) وهذا الكتاب ليس كتاب تنجيم , بل موسوعة ضخمة مبسطة الأسلوب , وورد في هذا الكتاب تحت عنوان (مايوجد في البلاد في كل الأقاليم)  وأورد جداول فكلية مبتكرة وخارطة مستديرة , وقد أفاد من هذه الخارطة كل من الجغرافيا, وجدير بالذكر أن البيروني كان يسخر من المنجمين وصناعة التنجيم مع أنه اضطر إلى ممارسة التنجيم فيبلاط السلطان محمود الغزنوي.

تحديد نهاية الأماكن لتصحيح مسافات المساكن: وفيه بعض المواد الجيولوجية إضافة إلى الجغرافيا الفكلية ونسخته محفوظة في أسطنبول.

الجماهر في معرفة الجواهر: ألفه في العقد الأخير من  عمره , في عهد السلطان مودود, ويبحث هذا الكتاب في المعادن والأحجار الكريمة والفلزات وتضمن تجارب عملية أجراها بنفسه.

تاريخ الأمم الشرقية.

الجواهر: وهو كتاب في الشعر تناول ثمانين شاعرا عربيا وأشعارهم.

وقد ترجمت مؤلفات كثيرة للبيروني إلى لغات عدة كالإنجليزية والفرنسية ,وغيرها وقد شكلت مؤلفاته مراجع أساسية لعدد كبير من المؤلفين من بعده على مدى عهود طويلة وقد لاقى اعترافا وتقديرا من كثيرين من كبار الدارسين, فهو كالحسن ابن الهيثم كان له الفضل في ارساء المناهجية التجريبية في العلوم وله الفضل في ادخال الأرقام الهندية بما فيه الصفر ونظام منازل الأرقام, ويطلق مؤرخ العلوم الأمريكي : (سارتن) على منتصف القرن الحادي عشر الميلادي حقبة البيروني, و قال عنه المستشرق الألماني: ادوارد سخاو: أكبر عقلية ظهرت في التاريخ.

كان البيروني يتميز بشخصية كريمة حقا, متحررة تماما من أي انسياق أو تعصب , دائبة السعي إلى الحقيقة متفاني في طلبها ولقد كان عالما موسوعيا عظيما وما كان ليتردد في نشر ما توصل إليه من علم ومعرفة حتى وإن كانت حصيلته فيها قليلة ضحلة واعدا القارئ بالمزيد من الدراسة والبحث ونشر النتائج عند تكاملها, وكان منهجه العلمي: أن يدرس منهج المتقدمين دارسة شاملة, وكان لا يسلم بما انتهى إليه الغير من علم ومعرفة, بل اخضاع كل الفرضيات والنظريات للبحث والنقد سعيا وراء الحقيقة, ولم تكن أعماله نفسها بمنأى عن المناقشة والنقد, وكان يدرس المشاكل والقضايا دراسة موضوعية بعيدة عن الأوهام, ويتبع المسلك الحسي بإجراء التجربة المقترنة بالمشاهدة الواعية, ويليها التحليل, وكان شديد الاهتمام بمقدمات مصنفاته ويراعي التسلسل المنطقي في العرض مع الاقتصاد في إيراد الأمثلة , ويحصر على  الكلمات المتقابلة في اللغات المختلفة , وكان يحرص على ذكر مصادر معلوماته واقتباساته.

وكان البيروني معجبا باللغة العربية كلغة للعوم والآداب ولكنه انتقد شكل الحرف العربي ومشكلة التحريك والتنقيط, وذلك إلى جانب اعتزازه بقوميته الخوارزمية والإيرانية واعتزازه بنفسه , فقد ورد في شعره ردا على حاسديه الذين كانوا يلقبونه بابن  الضاحية قوله: إذ لست أعرف جدي حق معرفة , وكيف أعرف جدي أن جهلت أبي, أبي أبو لهب : شيخ بلا أدب , ووالدتي حمالة ا لحطب) ويبدوا أن أفكار البيروني قوبلت بسطحية وفجاجة من قبل الفرنسيين , وربما يعود ذلك إلى آرائه الثورية في علوم الفلك والجيولوجيا وغيره.

وعندما سمت مكانته العلمية وارتفعت منزلته الأدبية بدأت تتنافس عليه العروش والقصور فتبناه أولا بناة الحضارة والعلم من بني سامان في بخارى, حيث ذاع صيته وقدرت عبقريته العلمية والأدبية عندهم وتوثقت صلته بهم, وهناك تعرف على ابن سينا الذي زامله قرابة عشرين سنة, فانتظما معا في المذاكرة وتبادل الآراء, وعلت مكانتهما عند  الأمير نوح بن منصور الساماني, الذي ازدانت مكتبته بأنفس الكتب, وفي عام 388هـ تآلق نجم الأديب الحكيم قابوس بن وشمكير أمير جرجان الملقب بشمس المعالي, حيث أخذ ينافس آل سامان على جذب هذين النجمين, وطلب من أبي الريحان الانتقال إليه, ولكنه رفض وفاء لآل سامان, وعندما سقط حكم آل سامان خرج البيروني وابن سينا إلى شمس المعالي الذي أكرمهما, وطابت نفسهما بالإقامة في قصره وهناك كتب البيروني كتابه: (الآثار الباقية من القرون الخالية) وأهداه إلى شمس المعالي, وفي جرجان أيضا قابل البيروني أيضا أستاذه في الطب أبا عيسى وظلا معا حتى قامت الثورة العسكرية وأطاحت بعرش شمس المعالي, وأتت على حياته فخرج البيروني راجعا إلى وطنه خوارزم, وهناك اشتغل البيروني في مجمع العلوم الذي أسسه أمير خوارزم مأمون بن مأمون, وفي هذا المجمع قابل البيروني العالم مسكويه, وانضم إليه لاحقا زميل رحلته ابن سينا, وفي خوارزم أقام البيروني سبع سنوات في خدمة الأمير حيث أصبح له عنده مكانة كبيرة, إذ عرف  الأمير مكانته من العلم فاتخذه مستشارا وأسكنه معه في القصر, وفي عام 407هـ قام بعض جنود الأمير مأمون بثورة ضده وقتلوه, مما أدى إلى دخول صهره محمود بن سبكتكين الغزنوي خوارزم للانتقام من القتلة, وضم البيروني إلى حاشيته, وانتقل معه إلى بلده غزنة, وهناك لازم البيروني السلطان محمود في كل رحلاته وغزواته, وخلال هذه الرحلات دخل البيروني الهند وصاحب البيروني الأمير ثلاث عشرة مرة في غزواته في الهند مما أتاح له أن يحيط بعلوم الهند وتعلم من لغاتها السنسكريتية إلى جانب إجادته العربية والفارسية واليونانية, والسريانية, فاستطاع أن يتوصل إلى المراجع الرئيسية وهو ما كان يريده, ولكن الأمور لم تساعد البيروني كثيرا , إذ لم يكن السلطان محمود من المهتمين بالعلم كثيرا لذا كان عديم الاهتمام بأحاديث البيروني ومحاضراته, ولحسن الحظ أن الأمر لم يدم كثيرا, إذ ما لبث أن اعتلى العرش أكبر أولاد السلطان محمود وهو مسعود, وكان ذا رغبة مشتعلة وبصيرة نافذة لتقبل العلوم ودراسة أسرارها فأعطى البيروني المكانة اللائقة وقدم له ما يحتاجه من معونة أثناء بقائه في الهند, وعندما رجع من الهند ليستقر في قصر الأمير أهدى له كتابه الشهير: (القانون المسعودي في الهيئة والنجوم) ولما حمل البيروني هذه الهدية للسلطان أراد الأخير أن يكافئه, فأرسل له ثلاثة جمال محملة من نقود الفضة فردها أبو الريحان قائلا: إنه يخدم العلم للعلم لا للمال.

وألف البيروني أيضا كتابا آخر, وهو (الدستور) وأهداه إلى شقيق الأمير مودود , وبقي البيروني في غزنة ولم يغادرها منقطعا للدرس والبحث والعلم والتأليف حيث كتب معظم مؤلفاته الشهيرة, ولقد كان البيروني مجتهدا في البحث لدرجة أن أحد أصدقائه كا يزوره وهو مريض جدا, فسأله البيروني عن موضوع سبق أن ناقشه فيه, فقال له صديقه: أفي هذه الحالة؟ فرد عليه: ياهذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة , ألا يكون خيرا من أن أتركها, وأنا جاهل بها.

توفي البيروني عام 440هـ عن عمر يناهز الثمانين وتعود شهرة البيروني الحقيقية إلى مؤلفاته الغزيرة التي تظهر علمه الوافر ونبوغه الفكري, كتب البيروني في شتى المعارف فألف في حقل الرياضيات والفلك والطب والصيدلة والاآداب والجغرافيا والتاريخ, ولكن أكثر اهتمامه قد تركز على الفلك والرياضيات والطبيعيات, ففي علم الفلك برهن البيروني على حقائق علمية هامة: منها مساحة الأرض ونسبتها للقمر, وعن أن الشمس هي مركز الكون الأرضي, وعن بعد الشمس عن القمر, وعن مساحة الأرض ونسبتها للقمر, وبعدها عن جرم الشمس وأبعاد المجموعة الشمية عن الأرض, وبعد الكوكب عن الآخر, وهو أول من قال إن الشمس هي مركز الكون الأرضي, مخالفا الرأي السائد بأن الأرض هي المركز. كما أثبت أن أوج الشمس غير ثابت, وقد استطاع بناء على أربعة أرصاد في المواسم الأربعة أن يحسب مقدار هذه الحركة, بوساطة الحساب التفاضلي, وقد كان المقدار النهائي, الذي أثبته الفلكيون المسلمون لهذه الحركة, هو 12,09 ثانية في السنة, وهو تحديد يختلف قليلا عن المقدار المثبت في العصر الحاضر, وهو 11,46 ثانية في السنة, كما رصد الكسوف والخسوف وشرح بطريقة واضحة الشفق والغسق وحسب محيط الأرض بدقة فائقة وحدد القبلة التي يتجه إليها المسلمون مستعملا نظرياته الرياضية, ومن المسائل المعروفة باسم البيروني مسائل عديدة منها التي لا تحل بالمسطرة والفرجار, مثل محاولة قسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام, وأن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت, وقد أولى البيروني عناية كبيرة لعلم الجبر, فدرس مؤلفات الخوارزمي, وأضاف إليها الكثير من التعليقات كما درس المعادلة الجبرية ذات الدرجة الثالثة وطورها بحلوله الهندسية والتحليلية كما اشتهر ببرهان القانون المعروف بجيب الزاوية مستخدما المثلث المستوي.

يروى عنه: أن لم يكن ليترك من يده قلم أو يرفع بصره عن كتاب, ,أو يسمح لفكره أن ينشغل عن حل المسائل والمشكلات إلا في الأعياد, لقد كان حقا عبقرية فذة, وإنك لتطالع تصانيفه فتجد فيها من الغزارة والشمول والمتعة والجدة وكأنما توقفت عقارب الساعة منذ ألف عام أو يزيد, ولقد جمع البيروني المعارف التي توصل إليها المصريون والروم والرومان والهنود والسريان والفرس والعبراني وحتى العصر الذي عاش فيه, متبعا في دراساته وأبحاثه المنحى العلمي كما نعرفه اليوم, فجاءت أعماله إضافة قيمة لتراث الإنسانية جمعاء.

ألف البيروني في الرياضيات والطبييعيات والفلك والتنجيم وعلوم الحكمة والجيولوجيا والبيولوجيا والتطور والصيدلة , كما كتب في التاريخ والجغرافيا والأديان وغيرها من فروع المعرفة المختلفة ومن ثم فإن البيروني يعد بحق من أعظم العلماء الموسوعيين في كل العصور, ولقدد بلغت تصانيف البيروني حسب قائمة أعدها بنفسه وهو في الثالثة والستين من عمره 113 كتابا ومقالة ورسالة, وكتب الجانب الأكبر من مصنفاته بلغة عربية رصينة وأسلوب عذب دقيق وهولم يكن ليخفي حبه الشديد للغة العربية ولم تكن كتاباته إلا لتكشف عن تمكنه فيها, والقليل كتبه بالفارسية.